النيروز وفيضان النيل
النيروز و النيل وجهان لعملة واحدة فعيد النيروز هو رأس السنة القبطية و السنة القبطية هي في الأصل سنة فرعونية و لقد وجد الفراعنة أنهم في احتياج لتصميم نظام السنة ليتمكنوا من معرفة و حساب مواعيد الزراعة و الزراعة متوقفة علي أهم حدث في مصر و هو فيضان نهر النيل لذلك سمي هذا العيد عند الفراعنة بعيد الفيضان ( و اسمه باللغة الفرعونية " إخت " Ekhet ) . نشأة العيد ~~~~~ و لان الفراعنة منذ فجر التاريخ برعوا في علوم الفلك بصورة مذهلة لذلك سخروا كل جهودهم لمعرفة حساب موعد الفيضان بدقة و لقد أسفرت أبحاثهم الي ان الفيضان يصل إلي تمامه ويصل إلى العاصمة منف (ممفيس) عند الشروق الاحتراقي لنجم الشعرى اليمانيه قبالة أنف أبو الهول و نجم الشعرى اليمانيه هو ألمع نجم في كوكبة الكلب الأكبر و يرتفع عن الأفق الشرقي درجه واحده فقط عند شروق الشمس خلال فترة الفيضان مما يجعله يظهر لمدة ثواني قبل شروق الشمس لذلك سمي الشروق الاحتراقي لنجم الشعرى اليمانيه ( لذلك قال البعض عليه انه تقويم نجمي و البعض قال تقويم شمسي و البعض قال انه تقويم شمسي و نجمي معا ) و بناء علي ذلك اتخذو الشروق الاحتراقيك كساعة كونيه لتحديد موعد حدوث فيضان النيل وصمموا نظام سنة دقيقة كل الدقة مازالت تذهل العلماء حتي الان برغم كل التقدم الموجود و من الادل علي دقة حسابات الفراعنة الفلكية شروق الشمس علي وجه رمسيس الثاني في معبد ابو سمبل مرتين في العام في يوم محدد و لم يختل علي مدي الاف السنين . مكانة العيد ~~~~~~ و لان راس السنة يرتبط بموعد فيضان نهر النيل لذلك فهو أهم الأعياد لان للنيل مكانة عظيمة فلقد اهتم به أجدادنا الفراعنة و قدسوه و أطلقوا عليه الاله هابي ( أو حابي ) و كان هابي هو روح النيل وجوهره الحراكي و كان الفيضان هو مجيء هابي الذي كانوا يصورونه علي هيئة شخص بدين منبعج البطن ذي ثديين متدليين هما مصدر الخير لمصر, و لونوه بالاخضر والازرق ( لون مياه الفيضان ) و كان عاري الجسم طويل الشعر أشبه بصياد السمك في المستنقعات. و كان الاله هابي هو ضامن الحياة كلها ، و كانت التراتيل و الصلوات تقول: ( هابي أبو الآلهة الذي يغذي و يطعم و يجلب المؤنة لمصر كلها, الذي يهب كل فرد الحياة في اسم قرينه " الكا " و يأتي الخير في طريقه والغذاء عند بنانه و يجلب مجيئه البهجة لكل انسان , انك فريد , أنت الذي خلقت نفسك من نفسك و دون ان يعرف أي مخلوق جوهرك , غير ان كل انسان يبتهج في اليوم الذي تخرج فيه من كهفك. ) .
طقوس و مظاهر الاحتفال بالعيد عند الفراعنة
و لقد كانت بعض الطقوس التحضريه تبداء من يوم 12 بؤونة و يسمي ( نزول النقطة ) أي دمعة " إيزيس "آلهة الخصب والنماء و هي الدمعة التي أراقتها حزنا علي زوجها " اوزيريس " اله الخير الذي قتله " تيفون " اله الشر و طبقا للحسابات الفرعونيه فان زيادة النيل تبتدئ في هذه الليلة إلي ان تصل إلي تمامها في اول توت حيث تقام طقوس الاحتفالات الكبري . و يشير المؤرخ " ماسبيرو " إلي أن الماء المقدس حينما يصل إلي جدران سيين ( أو أسوان ) فإن أحد الكهنة ( أو الحاكم أو أحد نوابه ) يقدم ثورا أو بطا حيث يلقيه في الماء في حرز من البردي مختوم عليه ، و يكتب في الحرز الأمر الملكي الخاص بنظام الفيضان . و كانت الطقوس الدينية تقام كل عام في عيد فيضان النيل فيقذفون في النيل بالكعك وحيوانات الضحية والفاكهة والتمائم لتثير قوة الفيضان وتحافظ عليها . و يري الباحث الفرنسي " بول لانجيه " أن المصريين القدماء كانوا يزينون سمكة الاطم بألوان زاهية ويتوجون رأسها بعقود الورد والزهور ثم يزفونها إلى النيل في عيد الفيضان و يلقونها في النيل باحتفال مهيب ، و سمك الاطم قريب الشبه بالإنسان و يصفه بعض العلماء بإنسان البحر و تتميز أنثاه بأن لها شعرا كثيفا فوق ظهرها ، و لها ما يشبه أرداف المرأة. أما وجهها فأقرب إلى كلب البحر و حين تسبح فوق الماء تتمايل كأنها راقصة .
طقس الكنيسة و فيضان النيل
و لقد استمر للنيل مكانة عظيمة بعد انتشار المسيحية في مصر فالأقباط يعتزون بان ماء النيل قدسه السيد المسيح له المجد لأنه شرب من ماء النيل و سافر بمركب فيه متجولا في الفترة التي قضاها في مصر هربا من شر هيرودس و جعلوا اهم ما يميز ايقونة مجيء السيد المسيح ارض مصر هو رسم النيل فيها . و من المعروف ان كلمة النيل ظهرت في اللغة العربية ( ربما هي محرفة من قبطي الي يوناني الي عربي ) و لذلك فهي تذكر دائما في الليتروجيات القبطية باسم ( نهر – إفيارو ) أو ( انهار – نى يارؤو ) ( ربما تذكر جمع علي اساس انه نهر من ضمن انهار العالم او ربما يذكر النيل و روافده ) . و الكنيسة في الليتروجيات المعاصرة تصلي من اجل النيل في مناسبات متنوعة علي مدار العام فمنها :-+ في القداس الالهي و الصلوات الطقسية التي تُذكر فيها الاواشي الصغار تختم الاواشي قائله ( أصعدها كمقدارها كنعمتك فرح وجه الأرض ليرو حرثها ولتكثر اثمارها ) + في الاجبية ( صعودا كاملا لمياه الأنهار ) " تحليل الكهنة بصلاة نصف الليل " + في صلوات اللقان ( نهر جيحون " أي النيل " املاه من بركتك ) " لقان الغطاس " ( افتقد الارض و اروها بصعود النهر فتثمر حسناً. . أصعد نهر النيل كمقداره ) " لقان خميس العهد " + في طلبة صوم نينوى والصوم الكبير ( صلوا من أجل صعود مياه الأنهار وارتفاعها كمقدارها ) + في طلبة أسبوع الآلام ( صلوا واطلبوا عن صعود مياه الأنهار في هذه السنة لكي يباركها المسيح إلهنا ويصعدها كمقدارها ويفرح وجه الأرض بالنيل ) " طلبة الصباح " ( يا الله تراءف على العالم بعين الرحمة والرأفة ونيل مصر باركه في هذا العام وكل عام ) " طلبة المساء " + في صلاة تبريك المنازل ( من أجل اعتدال الأهوية و بركة مياه النيل و ثمار الأرض من الرب نطلب. ) + في فصل الفيضان في الصلوات الطقسية تصلي اوشية المياه - من 12 هاتور إلي 10 طوبه – ( تفضل يا رب مياه النهر في هذه السنة باركها ) + في فترة النيروز و لان هذا هو عيد الفيضان فالكنيسة تصلي بلجاجة و شكر طوال فترة النيروز ( من عيد النيروز 1 توت إلي عيد الصليب 17 توت ) قائله :- ( بارك إكليل السنة بصلاحك يا رب الأنهار والينابيع والزروع والإثمار ) و تكرر بلجاجة هذه الصلاة في ارباع الناقوس و ذكصولوجية النيروز و مرد الابركسيس و مرد المزمور و مرد التوزيع و ختام الصلوات . و ترتل الكنيسة بالفرح و الشكر من اجل النيل في دفنار النيروز قائله ( نسجد للأب الصالح . و أبنه يسوع المسيح . و الروح البارقليط . الثالوث المقدس الواحد في الجوهر ، كمثل ما عظمت أعمالك أيها الرب إلهنا . خلقت كل شيء بحكمه حقيقية . تعاهدت الأرض و رويتها . و هكذا أكثرت بعظم غناء . و ملأت الأنهار ميهاها كحدها و زمانها و هيأت طعامها . و هذا هو استعدادها بارك يا إلهي إكليل هذه السنة بصلاحك يا رب كعظيم رحمتك . ) . و ترتل ايضا متهللة مزمور انجيل القداس قائله ( تبارك إكليل السنة بصلاحك، وبقاعك تمتلئ من الدسم ) .
صلوات الكنيسة من اجل فيضان النيل عند المحن
و قد ذكر لنا التاريخ ان الكنيسة كانت تقيم علي ضفاف النيل بعض الصلوات حينما يشح فيضان النيل و من اشهر الحوادث :- + في عهد البابا خائيل الأول البطريرك رقم ( ٤٦ ) (( سار البابا خائيل و معه لفيف الكهنة و الشعب إلي شاطئ النيل و نصبوا خيمة و رفعوا فيها القربان المقدس ثم جعلوا يهتفون بصوت واحد قائلين يارب ارحم و استمروا يكررون ذلك زمناً و في النهاية ألقوا مياه غسل الآنية المقدسة في البحر و للحال حلت فيه بركة الرب و ابتدأ مائه يتعاظم و يرتفع حتى بلغ الحد المطلوب و زيادة )) ( الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة جـ 2 – الجيل الثامن رأس 2 ) . + و في عهد البابا يؤانس السادس عشر البطريرك رقم ( 103 ) (( شرقت ارض مصر و تسما الشراقي الصفرا و ان البحر لما توقف عن الزيادة توجه ابينا البطريرك إلي كنيسة ستنا العدره بالعدوية " كنيسة السيدة العذراء بالمعادي حاليا " و معه جماعة من الكهنة و بقي كل يوم يقدس و يصلي علي قليل ماء في ماجور صغير و يرشمه بالميرون المقدس و يطرحه في النهر و ان الله تعالي تحنن برحمته علي عباده و اوفي النيل في الثامن عشر من توت ) ( كتاب تاريخ البطاركة - للأنبا ساويروس ابن المقفع أسقف الاشمونين - ج3 طبعة المتنيح الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر ) . + و في عهد البابا بطرس السابع الشهير بالبابا بطرس الجاولي البطريرك رقم ( 109 ) (( حدث أن النيل لم يف بمقداره المعتاد لآرواء البلاد في إحدى السنين ، فخاف الناس من وطأة الغلاء وشده الجوع إذا أجدبت الأرض ، واستعانوا بالباشا طالبين منه أن يأمر برفع الأدعية و الصلوات إلى الله تعالي لكي يبارك مياه النيل و يزيدها فيضانا حتى تروي الأراضي فتأتي بالثمار الطيبة و لا تقع المجاعة علي الناس فاستدعي البابا بطرس السابع رجال الاكليروس و جماعة الأساقفة و خرج بهم إلى شاطئ النهر واحتفل بتقديم سر الشكر و بعد إتمام الصلاة غسل أواني الخدمة المقدسة من ماء النهر وطرح الماء مع قربانة البركة في النهر فعجت أمواجه و اضطرب ماؤه وفاض فأسرع تلاميذ البابا إلى رفع أدوات الاحتفال خشية الغرق فعظمت منزلة البطريرك لدي الباشا . )) ( سنكسار يوم 28 برمهات )
الطقوس الكنسية التي كانت تقام علي ضفاف النيل و اندثرت
و قد ذكر لنا التاريخ ان الكنيسة كانت تقيم علي ضفاف النيل بعض الطقوس الدورية كل عام و لكنها اندثرت بسبب اضطهاد الحكام كما ذكر في كتاب ( القول الابريزي للعلامة المقريزي ) عن عيد الغطاس ( الموافق 11 طوبه – انتهاء فصل الفيضان ) و لقد اندثر الاحتفال به علي ضفاف النيل و لكن ظلت الصلوات الليتورجيه تقام داخل الكنيسة . و عيد اخر يسمي ( عيد الشهيد ) و هو مباركة ماء النيل برفات احد الشهداء ( و لقد اندثر هذا العيد و لم نعد نعرف عن طقسه أي شيء ) . و أيضا عيد الصليب في مقالة عنه للمتنيح الأنبا غريغوريوس ( أسقف البحث العلمي ) ذكرا قائلا (( و لقد كانوا قديما يطوفون هذه الدورات في أنحاء المدينة أو القرية . و مازالوا في الأديرة يطوفون أنحاء الدير, في عيد الصليب . و كان من بين العادات القبطية القديمة , أن يحمل الكهنة والشعب صليبا كبيرا من الجريد والنباتات , يصنعونه من سعف النخل و أغصان الزيتون , و يخرجون بالمباخر , يصلون و يرتلون حتى يبلغوا نهر النيل , ثم يطرحون الصليب في النيل , يباركون به النيل ومجراه , و يعودون إلي بيوتهم أو أماكنهم متهللين مسرورين , و مشحونين بالنعم السمائية و السعادة الروحية . )) . و لم يتبقي حاليا غير الصلوات من اجل النيل التي تقام داخل الكنائس ومنها ما هو قديم و ما هو استحدث كبديل عما اندثر و لكن اختلف الطقس و التوقيت .
مأكولات النيروز
و لان النيل هو عماد الزراعة و المأكولات فلقد كان الناس يعبرون عن فرحتهم بالعيد فيأكلون و يتبادلون الهدايا و يتصدقون بالفواكه و الأطعمة الشهية مقدمين الشكر لله الذي أفاض النيل و وهبهم أزمنة مثمرة و ملاء قلوبهم طعاما و سرورا و لقد ذكر هذه الأصناف المقريزي نقلا عن ابن المأمون حيث قال :- (( اصناف النيروز ، البطيخ ، و الرمان ، و عناقيد الموز ، و افراد البُسْـر ، وأقفاص التمر القوصي ، وأقفاص السفرجل " من الممكن ان يكون المقصود بالسفرجل هو الجوافة لانها الفاكهة المنتشرة بمصر " ، والهريسة المعمولة من لحم الدجاج ، و من لحم الضأن ، و من لحم البقر )) ( كتاب القول الابريزي للعلامة المقريزي ) .
مظاهر الاحتفال بالعيد في العصور المتأخرة
و مع مرور الزمن اراد الحكام ان يبكروا في موعد الاحتفال بهذا العيد ليجمعوا الضرائب مبكراً فأصبح عيدا منفصلا عن عيد النيروز اذ جرت العادة انه في أي يوم ابتداء من النصف الثاني من أغسطس حينما يبلغ فيضان النيل ست عشرة ذراعا في مقياس جزيرة الروضة يخرج منادي النيل مع جوقة من الصبيان يبشر بارتفاع ماء النيل فيخرج الناس للاحتفال بيوم وفاء النيل و يتم فتح السد الذي يقع شمال الفسطاط ليجري الماء من النيل في المجري الذي يعرف بفم الخليج ( ولذلك يسمي البعض هذا العيد بعيد وفاء النيل أو فتح الخليج ) و بعد فتح الخليج تجري مع النهر مئات الزوارق المضاءة بمصابيح زجاجية ملونة ، ويصاحب ذلك الهتافات والأناشيد . و لقد سمي عيد وفاء النيل و معني الاسم ان النيل اوفي بوعده و أتي بالفيضان اللازم لحياة مصر وفي عهد المماليك كانوا الباشاوات يوفون الضرائب مقدما للوالي ( حسب مقياس النيل بجزيرة الروضة ) في ذلك العيد فكان عيد وفاء النيل و وفاء الضرائب . و يذكر الباحث الفرنسي " جومار " في موسوعة وصف مصر مشاهداته لهذا العيد ( 1798 – 1801 م ) فيقول (( ليس هناك اطلاقا احتفالا له من الروعة و الأهمية ما لمناسبة فتح الخليج ، أي خليج القاهرة . اذ يعد افتتاح السد حدثا للبلد كلها ، و ليس مما يدهش ان يحظي بهذه الأهمية و ان ينفرد هذا الاحتفال بهذه الافراح المتميزة . و هو يبدأ مع غروب الشمس ، فتجوب القوارب المضاءة الفرع الصغير للنيل عند شرق جزيرة الروضة ، و في اليوم التالي ، و مع شروق الشمس ، تزدان جميع القوارب بالاعلام ، و تحتل جماعات هائلة من الناس تلك المرتفعات الواقعة إلي جوار فم الخليج ، و تسمع في كل مكان أصوات المدافع و أصوات الآلات الموسيقية ، حتى ليبدو و كانما احتشد كل مواطني القاهرة عند ضفتي الخليج . و يوجد – عند اعلي نقطة – مظلة ينظر منها العلماء و الشخصيات الهامة ، و تبدو طبيعة هذا المشهد بالغة الحيوية . و يقوم العمال منذ الصباح برفع جزء من عرض السد ، و فور صدور الإشارة ، تفتح ثلاث فتحات يندفع منها الماء بسرعة و يتحول الي ما يشبه السيول التي تتجمع و تجذب بقية السد و تدفعها امامها . ويثبت المنسوب في اقل من عشرة دقائق ، و ينثر المديني " عملات معدنية " للناس . وفي المساء تضاء جميع الاماكن حول النهر و الخليج و في قلب القاهرة ، كما تنطلق الألعاب النارية )) .
عروس النيل
لقد ادرك المصريين أهمية التزاوج بين ماء النيل و الطين لكي يخصب الطين و يخلف المزروعات و الخير و النماء لأنه لو وضعنا البذور في ماء النيل بدون طين لن تخصب و كذلك لو وضعنها في الطين بدون ماء أيضا لن تخصب و تزاوج ماء النيل مع الصخور لن يخصب أيضا فعرفوا ان عروسه الحقيقية هي الطين فلذلك كانوا يصنعون له عروسة من الطين كما روا لنا الرحالة الذين شاهدوا ذلك بعيونهم و دونوه بأيديهم فيذكر نيبور مشاهداته لبعض من مظاهر الاحتفال بعيد وفاء النيل، فيقول انه كان يقام في الخليج بين السد القائم عليه، ومجري النيل، عمود من الطين بالارتفاع الذي يتوقع الناس ان يصل النيل إليه في الفيضان عند كسر السد وفتح المياه إلي الخليج، ويطلق المصريون علي هذا العمود اسم "العروس" . ويذكر " مارسيل " مشاهداته لبعض من مظاهر الاحتفال بعيد وفاء ( 1798 – 1801 م ) انه في خليج القاهرة عند ماخذ الماء يوجد تمثال من الطين ويصفه و يقول ( شكله مخروطيا يصل ارتفاعه إلي تسع او عشر اقدام و يغطي بالنباتات و الورود ، و يطلي باللون الأبيض ، و يطلق عليه اسم "العروسة" و يتم تدميره يوم العيد عن طريق اندفاع المياه التي تدخل بكل قوة في القناة بعد فتح السد ) . ولكن لا ننسي انه أحاطت بعروس النيل الكثير من الروايات الخرافية وتتحدث عن عروسة مختلفة تماما و هي تقديم ضحية بشرية كعروس للنيل وكلها تقريبا في الكتابات العربية او من نقل عن هذه الكتابات و لعل أشهرها ما ذكر قديما في كتاب " فتوح مصر والمغرب " وما أشار إليه حديثا في الشعر أحمد شوقي في قصيدته المشهورة " النيل " وما تناولته أفلام السينما المصرية و لكن بكل أسف كل الذين كتبوا عن هذه الروايات الخرافية لم يشاهدوها بأنفسهم ولكن سمعوا عنها . و الواضح ان هذه الروايات الخرافية ليس لها ما يؤيدها فتذكر موسوعة وصف مصر قائلة ( ولا نعتقد كثيرا في وجود هذه العادة عند المصريين ، لأنه من الجائز أن يكون بعض الكتاب قد تم تضليلهم عند الحديث عن عرف مازال قائما ، أو أن يكونوا قد أساءوا تفسير ما سمعوا ، حيث انهم لم يكونوا شهداء عليه ) و تذكر الموسوعة عن هذه العادة وتقول ( انها لم تكن موجودة خلال حكم البطالمة و الرومان فعلي الاقل هذا ما نستنتجه من خلال عدم ذكر ذلك الموضوع في كتابات اليونانيين ) . ويقول عباس محمود العقاد في كتابه " عبقرية عمر " إن رواية عروس النيل البشرية على علاتها قابلة للشك في غير موضع فيها عند مضاهاتها على التاريخ، وقد يكون الواقع منها دون ما رواه الرواة بكثير. كما اننا لو رجعنا لاقدم مصدر ذكرت فيه هذه القصة وهو كتاب "فتوح مصر والمغرب" لأبوالقاسم عبدالرحمن و قد كتب في حوالي القرن الثالث او الرابع الهجري سنجد ان ما توارثه الناس عن هذه الاسطورة يتنافي مع ما ذكره أبوالقاسم عن رواية عروس النيل فالأسطورة تقول انهم يلقون بفتاة كعروس للنيل في يوم عيد وفاء النيل أي يوم اول توت اما رواية أبوالقاسم فتقول انهم كانوا يلقون بالفتاه يوم 13 بؤونة ، وفي رواية أبوالقاسم يقول ان عمر بن العاص القي رسالة عمر بن الخطاب في النيل ( قبل يوم الصليب بشهر ) ثم يكمل ( وأصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله تعالى ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة ) فاذا كانت الرسالة قد القية قبل عيد الصليب بشهر أي يوم 17 مسري فلماذ انتظر الفيضان شهر كامل ليفيض يوم عيد الصليب أي يوم 17 توت ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة فلماذا لم يفيض بالتدريج خلال الشهر ؟ و لماذا لم يفيض بعد القاء الرسالة ب 14 يوم لياتي في موعده أي اول توت ؟ كذلك لايوجد دليل عليها في الطقوس الفرعونية التي تحكي عن عيد الفيضان سواء في المخطوطات البردية او في اللوحات الفرعونية علي جدار المعابد . كذلك لم يذكر الكتاب المقدس أي شي عن و جود ذبائح بشرية لدي المصريين بل ذكر انها كانت تمارس كثيراً بين القبائل الكنعانية و كانت تقدم ل"مولك" إله العمونيين (2مل 10:23 ) و "بعل" إله الفينيقيين (إرميا 5:19 ) . وكذلك لم يذكر السنكسار أيضا أي شي عن خرافة عروس النيل بالرغم من انه ذكر بعض عادات قديمة للقدماء المصريين و الأساطير المرتبطة بها و التي أبطلت في المسيحية مثل أسطورة دمعة ايزيس في فيضان النيل كما ذكر تحت يوم 12 بـؤونة . اذن من الواضح ان النيل مظلوم معنا لأننا تارة نلوث مياهه بإلقاء المخلفات فيها وكننا لا نشرب منه نحن بل أعدائنا ، وتارة اخري نلوث سمعته بروايات خرافية تصوره علي انه سالب الحياة من البشر و هو في الحقيقة الشريان الذي وهبه لنا الله لاستمرار الحياة في مصر . أخـــــيرا ~~~~~ فيجب علينا ان نشكر الله علي انه وهبنا نهر النيل ، و نطلب عن صعود مياه الأنهار في هذه السنة لكي يباركها المسيح إلهنا و يصعدها كمقدارها و يفرح وجه الأرض بالنيل و يعولنا نحن البشر و يعطي النجاة للحيوان و يغفر لنا خطايانا قولوا كلكم امين.
نقلا من الفيسبوك
مصدر هذا الخبر منقول من : الأقباط متحدون
بلوجر مسيحى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق